فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض}.
{الَّذِي} في موضع خفض على النعت أو البدل.
ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ، وأن يكون في موضع نصب بمعنى أعني.
وحكى سيبويه الحمد لله أهل الحمد بالرفع والنصب والخفض.
والحمد الكامل والثناء الشامل كله لله؛ إذ النعم كلها منه.
وقد مضى الكلام فيه في أوّل الفاتحة.
{وَلَهُ الحمد فِي الآخرة} قيل: هو قوله تعالى: {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74].
وقيل: هو قوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [يونس: 10] فهو المحمود في الآخرة كما أنه المحمود في الدنيا، وهو المالك للآخرة كما أنه المالك للأولى.
{وَهُوَ الحكيم} في فعله.
{الخبير} بأمر خلقه.
قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِي الأرض} أي ما يدخل فيها من قَطْر وغيره، كما قال: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] من الكنوز والدفائن والأموات وما هي له كِفات.
{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من نبات وغيره.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء} من الأمطار والثلوج والبَرَد والصواعق والأرزاق والمقادير والبركات.
وقرأ عليّ بن أبي طالب {وما ننزل} بالنون والتشديد.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من الملائكة وأعمال العباد؛ قاله الحسن وغيره.
{وَهُوَ الرحيم الغفور}. اهـ.

.قال أبو السعود:

سورة سبأ مكية وقيل إلا {ويرى الذينَ أُوتُوا الْعِلْم} الآية وهي أربع وخمسون آية.
{الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} أي له تعالى خَلقًا ومُلكًا وتصرُّفًا بالإيجادِ والإعدامِ والإحياء والإماتةِ جميعُ ما وُجد فيهما داخلًا في حقيقتِهما أو خارجًا عنهما مُتمكِّنًا فيهما فكأنَّه قيل: له جميعُ المخلوقاتِ كما مرَّ في آية الكُرسيِّ، ووصفُه تعالى بذلك لتقرير ما أفاده تعليقُ الحمدِ المُعرَّف بلام الحقيقة بالاسم الجليلِ من اختصاصِ جميعِ أفراده به تعالى على ما بُيِّنَ في فاتحة الكتاب ببيان تفرُّدِه تعالى واستقلاله بما يُوجب ذلك وكونِ كلِّ ما سواه من الموجودات التي من جُملتها الإنسان تحت ملكوتِه تعالى ليس لها في حدِّ ذاتها اسحقاقُ الوجود فضلًا عمَّا عداه من صفاتها بل كلُّ ذلك نعمٌ فائضة عليها من جهته عزَّ وجلَّ فما هذا شأنُه فهو بمعزلٍ من استحقاقِ الحمد الذي مداره الجميل الصَّادرُ عن القادر باختيار فظهر اختصاصُ جميعِ أرادِه به تعالى. وقولُه تعالى: {وَلَهُ الحمد في الآخرة} بيانٌ لاختصاص الحمد الأُخرويِّ به تعالى إثرَ بيانِ اختصاص الدُّنيويِّ به على أنَّ الجارَّ متعلِّق إمَّا بنفس الحمد أو بما تعلَّق به الخبرُ من الاستقرارِ، وإطلاقُه عن ذكرِ ما يُشعر بالمحمودِ عليه ليس للاكتفاء بذكر كونه في الآخرةِ عن التعيين كما اكتفي فيما سبق بذكر كون المحمود عليه في الدُّنيا عن ذكر كونِ الحمد أيضًا فيها بل ليعمَّ النِّعمَ الأُخرويَّةَ كما في قوله تعالى: {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة} وقوله تعالى: {الذى أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ} الآيةَ، وما يكون ذريعةً إلى نيلِها من النِّعمِ الدُّنيويَّةِ كما في قوله تعالى: {الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} أي لِما جزاؤه هذا من الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ، والفرق بين الحمدينِ مع كون نعمتَيْ الدُّنيا والآخرةِ بطريق التَّفضلِ أنَّ الأوَّلَ على نهج العبادة والثَّانِي على وجه التَّلذذِ والاغتباطِ. وقد ورد في الخبرِ أنَّهم يُلهمون التَّسبيحَ كما يُلهمون النَّفسَ {وَهُوَ الحكيم} الذي أحكم أمورَ الدُّنيا ودبَّرها حسبما تقتضيه الحكمةُ {الخبير} ببواطن الأشياء ومكنوناتِها وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ في الأرض} الخ، تفصيلٌ لبعض ما يحيط به علمُه من الأمور التي نِيطتْ بها مصالحهم الدُّنيويةُ والدِّينيةُ أي يعلم ما يدخل فيها من الغيثِ والكُنوزِ والدَّفائنِ والأموات ونحوها {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} كالحيوان والنبات وماء العيون ونحوها {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء} كالملائكةِ والكتبِ والمقاديرِ ونحوِها. وقُرىء وما نُنزِّل بالتَّشديدِ ونونِ العظمةِ {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} كالملائكةِ وأعمالِ العبادِ والأبخرةِ والأَدْخنةِ {وَهُوَ الرحيم} للحامدينَ على ما ذُكر من نِعَمِه {الغفور} للمفرِّطين في ذلك بلُطفِه وكرمِه. اهـ.

.قال الألوسي:

{الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} أي له عز وجل خلقًا وملكًا وتصرفًا بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة جميع ما وجد فيهما داخلًا في حقيقتهما أو خارجًا عنهما متمكنًا فيهما فكأنه قيل: له هذا العالم بالأسر، ووصفه تعالى بذلك على ما قاله أبو السعود لتقرير ما أفاده تعليق الحمد المعرف بلام الحقيقة عند أرباب التحقيق بالاسم الجليل من اختصاص جميع أفراد المخلوقات به عز وجل ببيان تفرده تعالى واستقلاله بما يوجب ذلك وكون كل ما سواه سبحانه من الموجودات التي من جملتها الإنسان تحت ملكوته تعالى ليس لها في حد ذاتها استحقاق الوجود فضلًا عما عداه من صفاتها بل كل ذلك نعم فائضة عليها من جهته عز وجل فما هذا شأنه فهو بمعزل من استحقاق الحمد الذي مداره الجميل الصادر عن القادر بالاختيار فظهر اختصاص جميع أفراده به تعالى، وفي الوصف بما ذكر أيضًا إيذان بأنه تعالى المحمود على نعم الدنيا حيث عقب الحمد بما تضمن جميع النعم الدنيوية فيكون الكلام نظير قولك: أحمد أخاك الذي حملك وكساك فإنك تريد به احمده على حملانه وكسوته، وفي عطف قوله تعالى: {وَلَهُ الحمد في الآخرة} على الصلة كما هو الظاهر إيذان بأنه سبحانه المحمود على نعم الآخرة ليتلاءم الكلام، وفي تقييد الحمد فيه بأن محله الآخرة إيذان بأن محل الحمد الأول الدنيا لذلك أيضًا فتفيد الجملتان أنه عز وجل المحمود على نعم الدنيا فيها وأنه تبارك وتعالى المحمود على نعم الآخرة فيها، وجوز أن يكون في الكلام صنعة الاحتباك وأصله الحمدلله الخ في الدنيا وله ما في الآخرة والحمد فيها فأثبت في كل منهما ما حذف من الآخر، وقال أبو السعود: إن الجملة الثانية لاختصاص الحمد الأخروي به تعالى إثر بيان اختصاص الدنيوي به سبحانه على أن {فِى الآخرة} متعلق بنفس الحمد أو بما تعلق به {لَهُ} من الاستقرار، وإطلاقه عن ذكر ما يشعر بالمحمود عليه ليس للاكتفاء بذكر كونه في الآخرة عن التعيين كما اكتفى فيما سبق بذكر كون المحمود عليه في الدنيا عن ذكر كون الحمد فيها أيضًا بل ليعم النعم الأخروية كما في قوله تعالى: {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاء} [الزمر: 4 7] وقوله تعالى: {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ} [فاطر: 4 3، 5 3] وما يكون ذريعة إلى نيلها من النعم الدنيوية كما في قوله تعالى: {الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} [الأعراف: 3 4] أي لما جزاؤه هذا النعيم من الإيمان والعمل الصالح.
وأنت تعلم أن المتبادر إلى الذهن هو ما قرر أولًا، والفرق بين الحمدين مع كون نعم الدنيا ونعم الآخرة طريق التفضل أن الأول على نهج العبادة والثاني على وجه التلذذ والاغتباط، وقد ورد في الخبر أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، وقول الزمخشري: إن الأول واجب لأنه على نعمة متفضل بها والثاني ليس بواجب لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها مبني على رأي المعتزلة على أن قوله: لأنه على نعمة واجبة الإيصال ليس على إطلاقه عندهم لأن ما يعطي الله تعالى العباد في الآخرة ليس مقصورًا على الجزاء عندهم بل بعض ذلك تفضل وبعضه أجر، وتقديم الخبر في الجملة الثانية لتأكيد الحصر المستفاد من اللام على ما هو الشائع اعتناء بشأن نعم الآخرة، وقيل: للاختصاص لأن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة، وكأنه أراد لتأكيد الاختصاص أو بني الأمر على أن الاختصاص المستفاد من اللام بمعنى الملابسة التامة لا الحصر كما فصله الفاضل اليمني، وأما أنه أراد لاختصاص الاختصاص فكما ترى، ويرد على قوله: ولا كذلك نعم الآخرة {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 9 7] فتأمل {وَهُوَ الحكيم} الذي أحكم أمر الدارين ودبره حسبما تقتضيه الحكمة {الخبير} العالم ببواطن الأشياء ومكنوناتها ويلزم من ذلك علمه تعالى بغيرها، وعمم بعضهم من أول الأمر وما ذكر مبني على ما قاله بعض أهل اللغة من أن الخبرة تختص بالبواطن لأنها من خبر الأرض إذا شقها، وفي هذه الفاصلة إيذان بأنه تعالى كما يستحق الحمد لأنه سبحانه منعم يستحقه لأنه جل شأنه منعوت بالكمال الاختياري وتكميل معنى كونه تعالى منعمًا أيضًا بأنه على وجه الحكمة والصواب وعن علم بموضع الاستحقاق والاستيجاب لا كمن يطلق عليه أنه منعم مجازًا، وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ في الأرض}. إلخ.
استئناف لتفصيل بعض ما يحيط به علمه تعالى من الأمور التي نيطت بها مصالحهم الدينية والدنيوية، وجوز أن يكون تفسيرًا لخبير، وأن يكون حالًا من ضميره تعالى في {لَّهُ مَا فِي السموات} [سبأ: 1] فيكون {لَهُ الحمد في الآخرة} اعتراضًا بين الحال وصاحبها أي يعلم سبحانه ما يدخل في الأرض من المطر {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من النبات قاله السدي.
وقال الكلبي: ما يدخل فيها من الأموات وما يخرج منها من جواهر المعادن، والأولى التعميم في الموصولين فيشملان كل ما يلج في الأرض ولو بالوضع فيها وكل ما يخرج منها حتى الحيوان فإنه كله مخلوق من التراب.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} أي من الملائكة قاله السدي.
والكلبي، والأولى التعميم فيشمل {مَا يُنَزّلٍ} المطر والثلج والبرد والصاعقة والمقادير ونحوها أيضًا {وَمَا يَعْرُجُ} الأبخرة الأدخنة وأعمال العباد وأدعيتهم ونحوها أيضًا، ويراد بالسماء جهة العلو مطلقًا ولعل ترتيب المتعاطفات كما سمعت إفادة للترقي في المدح، وضمن العروج معنى السير أو الاستقرار على ما قيل فلذا عدى بفي دون إلى، وقيل: لا حاجة إلى اعتبار التضمين والمراد بما يعرج فيها ما يعرج في ثخن السماء ويعلم من العلم بذلك العلم بما يعرج إليها من باب أولى فتدبر، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والسلمي {يُنَزّلٍ} بضم الياء وفتح النون وشد الزاي أي الله كذا في البحر.
وفي الكشاف عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قرأ {نُنَزّلُ} بالتشديد ونون العظمة {وَهُوَ} مع كثرة نعمته وسبوغ فضله {الرحيم الغفور} للمفرطين في أداء مواجب شكرها فهذا التذنيب مع كونه مقررًا للخبرة مفصل لما أجمل في قوله سبحانه: {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} يعرف منه كيف كان كله نعمة وكالتبصر لأنواع النعم الكلية فكل منه ومن التذنيب السابق في موضعه اللاحق فلا تتوهم أن العكس أنسب. اهـ.